يا جارة “وادي العرايش” طربت وعادني مايشبه الأحلام في ذكراك

ينبع نهر البردوني من جبل صنين ليصب في مدينة زحلة، التي ترتفع 950 مترا عن سطح البحر، وتبعد 54 كيلومترا عن العاصمة بيروت، وتبلغ مساحتها 150 هكتارا.. معروفة بطقسها البارد في الشتاء، وبتساقط الثلوج التي تغطي سطوح منازلها المشهورة بقرميدها الأحمر.

وإذا زرت مدينة زحلة المعروفة بعروس البقاع، لا بد أن تحط رحالك في “وادي العرايش” الواقع في الحي الغربي على نهر البردوني، الذي لا ينضب طيلة أيام السنة، وتتوزع على ضفتيه المطاعم التي تقدم اللقمة اللبنانية الأصيلة، فيمضي روادها أجمل الجلسات على صوت خرير المياه وفي جو بارد في عز الحر، لا تقل حرارته عن الـ20 درجة مئوية.

في إحدى زيارته إلى لبنان أُعجب الشاعر أحمد شوقي بمدينة زحلة لذلك أنشد فيها قصيدة يقول في مطلعها:
شيعتُ أحلامي بقلب باك ِ ولمحت من طُرُق المِلاح شباكي
في عام 1927 قدم محمد عبد الوهاب حوالي 20 أغنية، وأشارت إليه إحدى المجلات آنذاك باعتباره واحداً من ثلاثة يتربعون على عرش الغناء في مصر، والاثنان الآخران هما منيرة المهدية، وحامد مرسي.
ثم قرأ محمد عبد الوهاب هذه القصيدة وقرر أن يلحنها وغناها عام 1928، ونجحت نجاحاً كبيراً. وقد اختار عبد الوهاب أن يبدأ غناء القصيدة من البيت الذي يقول:

يا جارة الوداي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراكِ

بعد ذلك بعدة عقود قررت فيروز والأخوين رحباني إعادة غناء هذه الأغنية بتوزيع موسيقي جديد، لكن كان على الأخوين مراعاة أن صوت فيروز يبلغ 8 مقامات موسيقية، في حين أن صوت عبد الوهاب كان يبلغ عند غناء هذه الأغنية 14 مقاماً.
كان لحن القصيدة جميلاً، لكن عبد الوهاب ارتكب عند غنائه للقصيدة خطأً لغويًا (وقامت فيروز بتكرار نفس الخطأ عند غناءها للقصيدة) ألا وهو نطقه لحرف اللام في كلمة “الرياض” في البيت الذي يقول:
ولقد مررت على الرياض بربوة غناءَ كنت حيالها ألقاكِ
والصواب عدم نطق تلك اللام لأنها لام شمسية، حيث أن الحرف الذي يليها هو حرف الراء.

ومن ثم اشتهرت الأغنية وغنتها الراحلة نور الهدى وبعدها فيروز. أما أم كلثوم التي اعتادت زيارة وادي العرايش، وبالتحديد مقهى “كازينو العرابي” في كل مرة، غنت في مهرجانات بعلبك أو في بيسين عالية، فتوجهت في إحدى المرات لصاحب المطعم يومها، جان عرابي، قائلة له: شكرا لك يا رضوان، فالتفت إليها وقال: اسمي جان يا ست الكل، فردت: رضوان هو حارس الجنة، أولسنا نحن في الجنة وأنت حارسها؟”.