أغلى التوابل في العالم .. نجاح زراعة الزعفران في البقاع رغم الصعوبات

تعتبر المشاريع الصغيرة من آليات المساهمة في تنظيم وتطوير محيطها بل بلدها أحيانًا.
وضمن جولاتنا المتواضعة في البقاع وكنوزه المخبأة، أُبهرنا بمشروع زراعي فردي ومستقل أحيا منطقة بقاعية بأكملها، بل وأكثر من ذلك، حمل منتوجاته إلى العاصمة بيروت وعدة مناطق أخرى.
مشروع بدأ من فكرة صغيرة، يزرع مختلف أنواع الخضار والفاكهة ، إضافةً إلى كل ما تتضمنه المونة اللبنانية، وكل ذلك بطرق ووسائل طبيعية خالية من أي إضافات كيميائية وبتغليف وتوضيب ممتاز.
لهذا كان لابد لنا أن نبحث ونسأل القيمين عليه، فكان لقاؤنا مع السيد يوسف وهبة، إبن هذا المشروع.

بدايات المشروع عام 2000 مع الدكتور حسّان مخلوف ببادرة توزيع البصل على المزارعين البقاعيين، وكانت حصة كل مزارع ومنهم عائلة يوسف 250 بصلة. ولكن بعد انتهاء الموسم ملّ المزارعون ولم يستسيغوا هذه الفكرة وأقلعوا عن هذا النوع من الزراعة، ما عدا يوسف ووالده أكملا تجربتهم، وأنبتت نجاحًا ليومنا هذا.

أثمرت جهودهما، وأصبحا بحاجة ليد عاملة تحصد المحصول، وتنوعت المنتجات ( بندورة، خس، والكثير من الخضروات والفاكهة..) ، حتى أصبحا مقصدًا للزبائن وحظيا بإقبال كثيف على منتجاتهم.

أمام تحدٍ غريب، بدأ المسؤولين عن المشروع بزراعة ” الزعفران”، وتحديدًا القاع – البقاع. فمنذ عدة سنوات خلت، ما يقارب ال 21 سنة، نحن نشهد زراعة ناجحة لهذه النبتة في بلادنا على أيدي مزارعين لبنانيين طموحين.بالرغم من استهجان المحيط والزبائن وعدم إيمانهم بالفكرة.

وبالنسبة لجودة الزعفران أضاف يوسف:” أجل الزعفران زُرع في البقاع اللبناني وهو ذو جودة عالية ويكاد يضاهي الزعفران المستورد”.

يصنف الزعفران من أكثر النباتات صعوبة في الإنتاج، وهو أغلى التوابل في العالم، إذ يتطلب الكثير من اليد العاملة ما قد يصل إلى 200 عامل يوميًا مقسمين على مناوبات، حيث الموسم يتلخص ب 12 – 15 يومًا فقط، وكل هذا للحصول على كميات قليلة بعد التجفيف، فكل دونم من زراعة الزعفران ينتج فقط كيلو زعفران أخضر وبعد التجفيف يصبح 200 غرام”.

مع كل هذه الصعوبات والتحديات، وصف لنا يوسف التجربة بأنها رائعة وفريدة من نوعها، ومازال شغفه قائمًا للتطوير، إلا أن ما تشهده البلاد من أزمات أبطأت عجلة التقدم، ولعل أزمة الليرة مقابل الدولار هي العامل الأبرز من حيث تصريف المنتج بقيمة يستحقها بعد هذا العناء.

من ناحية أخرى، بعض المطاعم وجدت زعفران محلي يرقى أن تقدمه في أطباقها، فيما إختار آخرون حمله بكميات قليلة معهم خارج البلد والتباهي به.

حاول يوسف الإستثمار بهذه التجربة خارج البقاع، إلا أنها لم تعطي نفس النتيجة ففي تربة بلدة القاع لم يحتاج لأي من الأدوية العضوية للحفاظ على محصوله وهذه نقطة مهمة زراعيًا.

نشير هنا إلى ان الفرق في الأسعار بين المنتجات الطبيعية (العضوية) والمنتجات الصناعية ( الكيماوية)، يعود لصعوبة الإنتاج وارتفاع تكلفة الأسمدة العضوية، للوصول لمنتج خالٍ من أي مواد صناعية.

يعترينا المزيد من الشغف والفضول لإكتشاف هكذا مشاريع شبيهة، ولكون ما فعله ويفعله أمثال القيمين على هذا المشروع ، حيث يرقى ليكون من المساهمين الأوائل في تطوير القرى والبلدات اللبنانية . إنها فكرة زراعية إنمائية تستحق التقدير وكل الدعم، على أمل أن يصل تقريرنا للجهات الرسمية، وتدرك بأن استثمار هكذا مشاريع إنتاجية هو الحجر الأول للنهوض إقتصاديًا وزراعيًا بالبقاع خصوصًا ولبنان عمومًا.