القلعة المعنية.. جدارها شاهداً على عظمة تاريخها
في أعالي بلدة قب الياس البقاعية، تقوم آثار قلعة كان بناها الأمير فخر الدين المعني الثاني؛ وقد عملت السلطنة العثمانية على هدمها وتدميرها كي لا تكون حصناً يستخدمه المقاتلون لمواجهة عسكر السلطان.
ويقول البعض الآخر أن تلك القلعة قد تهدّمت بفعل الزلازل حتى لم يبق منها قائماً سوى جدار شاهق ضخم، شاهداً على عظمة تاريخها. ويقال أن درجاً لولبياً كان يوجد في القلعة، وكان ينحدر نزولاً حتى رأس العين أي على عمق مئتي متر تقريباً.
الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي، زار القلعة قبل خرابها، وكان ذلك في العام 1688 م. وكان وصفه لها آخر ما عرف عن هذه القلعة. وقد كتب يقول: «وجدنا في قرية قبر الياس قلعة متينة من بناء إبن معن، وخارج القلعة برج وفيه بئر ماء مردومة. ويقوم باب القلعة تجاه ذلك البرج المهدوم، وهو باب من الخشب متين لا يعمل فيه الفأس ولا القدوم، وخلف الباب دهليز طويل… وبالجملة فهي قلعة مشتملة على منابع كثيرة وأمور تدعو اليها الضرورة. وقلنا في وصفها وحسن ارتفاعها ولطفها: «وقلعةٌ قلعت عين العدو بما علت به من بروج ذات تحصين كأنها فوق قبر الياس مشرفة على جوانبـه تاج السلاطـين». كذلك فقد ذكر كتاب التاريخ المدرسي أنه كان يوجد في قب الياس، قرب قلعة فخر الدين، خان بُني على الطراز السائد آنذاك، إلا أنه لم يبق من معالمه شيء.
تتجلّى الأهمية التاريخية لبلدة «قب الياس» في كثرة المصادر التي تحدثت عن تسميتها وأصول هذه التسمية وتطورها عبر التاريخ. فقد ورد في كتاب المؤرخ أيّوب سميا إبن قب الياس، أن أصل كلمة قب الياس يعود الى لفظة رومانية وهي مشتقة من كلمتين: «كب» و«هليوس»، وتعني «المدينة المواجهة للشمس»، وهذا ما يميز البلدة من حيث موقعها الجغرافي الرابض على تلة مشرفة في مواجهة الشمس من مشرقها الى مغربها.
واستناداً لدراسات تاريخية، فإن البنيان في قب الياس يعود في قدمه الى العصر الفينيقي حين كانت تعرف باسم «شوشن» نسبة الى زهرة السوسن البيضاء التي كانت تملأ أراضي البلدة.
وقد جرى تعريب اللفظة «شوشن» بإبدال الشين سيناً فأصبحت كما هي معروفة اليوم؛ كما عرفت البلدة باسمها القديم نسبة الى قصر شوشان الذي بناه نبوخذ نصر الكبير ملك أشور، في البلدة.
وعندما قدم الإغريق الى شوشان سمّوا المدينة بإسم مينموزينا، وكانت عندهم آلهة الذاكرة والتأمل؛ إلا أن الآراميين إستعادوا إسم البلدة الآرامي «شوشان»، واعتمدوه. وفي عهد الدولة الأموية، ذكرها المؤرخون العرب بإسم «المروج» لكثرة المروج المحيطة بها.
وفي العهد العثماني صار إسم «قب الياس» هو الغالب. وتذكر بعض المراجع التاريخية أن إسم «قب الياس» يعود الى العهد الفينيقي، وذلك نسبة الى البعل الفينيقي إله الخصب المعروف باسم «الياس». لكن آخرين يردون التسمية الى إسم زعيم عشيرة العمور وهو «الياس بن نزار بن معد بن عدنان»،
وينسبها بعضهم الى النبي الياس الذي أقام له الأمبراطور قسطنطين مقاماً في البلدة.
أما بعضهم فيقول أن أصلها هو «قبر الياس» نسبة الى قبر المقدّم الياس المدفون فيها على حد قول الأمير حيدر الشهابي.