معبد “جب الحبش”… رمز الصحة والشفاء والسعادة منذ آلاف السنين
عندما تقوم بزيارة بلدة تمنين الفوقا البقاعية لا بد أن تقصد معبد “جب الحبش”.
تقع بلدة تمنين الفوقا في بطن السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الغربية.
يقع المعبد بجوار نبع ماء هو الذي أعطاه اسمه ، وهو عبارة عن بناء ضخم. وعلى ضخامته إلا أنه لا يتعدى كونه غرفة واحدة مستطيلة مبنية من الحجارة الضخمة وسقفها معقود بشكل نصف دائري من الحجر الكلسي الصلب. بعد ارتقاء بضع درجات، على جانبيها قاعدتان لعمودين ضخمين، يصبح الزائر داخل المعبد مجتازاً البوابة الوحيدة الكبيرة.
خصص المعبد لرمز الصحة والشفاء والسعادة (هيجي). وهي تظهر في اغلب الاحيان واقفة والى جانبها افعى، او كوب تشرب هذه الافعى منه.
أرض المعبد من الحجر الأملس الصلب، وفيها فتحة لا يتعدى اتساعها السبعين سنتيمتراً، وهي بعمق حوالي الأربعة أمتار كانت عبارة عن بئر تتغذى من مياه الينابع الجوفية فإذا ما امتلأت البئر تدفقت مياهها عبر قناة داخل المعبد محفورة في الصخر على شكل قناة لتصب حول النبع (جب الحبش) في مسيل مياه غزير قبل سنين الجفاف.
مياه هذا الجب، وأيام الخير، تقطع بلدتي تمنين الفوقا وتمنين التحتا لتصب في نهر الليطاني.
أما خارج المعبد فتنتشر أنصاف الأعمدة ومنحوتات في الصخر وتيجان مزخرفة ربما كانت رؤوس أعمدة.
وقد طال هذا المعلم التاريخي الكثير من التخريب وعدم الاهتمام إلى وقت قريب، حيث تم عام 2007 العمل بالتعاون مع هيئة الآثار في وزارة السياحة على ترميم ما أمكن للحفاظ عليه .
وقد قامت المديرية العامة للآثار بعملية ترميم اولى للموقع في السبعينات تمت خلالها تقوية الاساسات بالاسمنت، وبناء الاقسام الناقصة بالمادة نفسها ونصب عمودي الواجهة.
لينضم الى لائحة المعابد والهياكل الرومانية التي تنتشر في مدن وقرى البقاع مثل هياكل بعلبك، ومعبد نيحا، ومعبد قصرنبا.
وفي حديث لجريدة الشرق الأوسط شرح المهندس ميشال داوود، الذي تولى اعمال الترميم، التقنيات التي استخدمت فيها: «لقد تعرض هذا الاثر الروماني، الذي شيد قبل نحو الفي عام لعملية تفجير مقصودة لواجهته خلال حرب تموز 2006، بهدف السطو على تاج العمود وبيعه. وهذا ما حصل فعلاً وما حوّل المكان، الذي يناهز 6 آلاف متر مربع، الى اطلال وهدد بانهيار ما تبقى».
حيث صرح سابقاً خالد الرفاعي المسؤول في المديرية العامة للآثار والمشرف على عملية الترميم، لـجريدة «الشرق الاوسط» اهمية هذا الموقع قائلاً: «يقوم الموقع، الذي شيد قبل نحو الفي سنة في منطقة غنية بالينابيع، ما جعلها مأهولة في ذلك الزمن، وما دفع باتجاه اقامة شبكة من الهياكل حولها. وموقع تمنين الفوقا شيد هو نفسه فوق نبع من الماء، ووجهته صوب الشرق، وخصص لرمز الصحة والشفاء والسعادة (هيجي). وهي تظهر في اغلب الاحيان واقفة والى جانبها افعى، او كوب تشرب هذه الافعى منه». في كتابه «هياكل لبنان في العصر الروماني»، اشار ليفون نورديغيان الى وصف محفور على ناووس وجد بالقرب من نبع في بلدة دوما الشمالية، ويعرض حالياً في القرية، يشير الى اسم «هيجي» ووالدها اسكليبيوس، سيد الطب عند الرومان.
ويضيف الرفاعي: «ان الموقع الاثري فريد من نوعه في لبنان، ويتميز بواجهته المؤلفة من عمودين تعلوهما جبهية مثلثة، وبسقفه الحجري المقوس، وشكله الهندسي المستطيل الذي تتوسطه بئر الماء التي يطلق عليها اهالي القرية اسم «جب الحبش»، الذي ينتهي في الهيكل، حيث يرفع تمثال «هيجي». وكان الرومان قد حفروا قنوات صغيرة في ارض الموقع، حتى اذا امتلأت البئر تسربت المياه الى هذه القنوات باتجاه المدخل، حيث تتساقط كشلال صغير يقبل عليها الزائر للشرب قبل ان يلج الموقع. وكانت هذه المياه، قبل عملية الترميم، تتجمع داخل الموقع لتشكل مستنقعات كادت تهدده بالانهيار».
والجدير بالذكر أنه يحيط بهذا المكان الاثري محمية صغيرة من السرو والشربين تضفي على المكان روعة ورونقاً وتزيد من روعته ورهبته.