مدينة زحلة.. عروس البقاع
زحلة أو الإسم الذي يدل عليها “عروس البقاع”. هي مركز قضاء البقاع. تم تأسيسها عام 1711 واستطاعت أن تنشئ أول جمهورية في الشرق بين عامي 1825 و 1858. تعتبر همزة وصل تجارة بين بيروت، دمشق، بغداد والموصل، خصوصاً بعد إقامة الخط الحديدي عام 1885. تشتهر بواديها الذي يجري فيه نهر البردوني وبمطاعمها المتناثرة على ضفافه.
زحلة هي المدينة الأحدث عهداً بين معظم مدن لبنان. ولُقبت بـ”عاصمة الكثلكة في الشرق” وبـ”مدينة الكنائس”؛ فهي تحتوي حوالي 50 كنيسة، وتعتبر أكبر مدينة مسيحية في الشرق.
تتميز زحلة ببيوتها القديمة، ذات القرميد الأحمر والقناطر. تتركّز صورة زحلة المناطقيّة والعالميّة على منتجاتها من عرق ونبيذ ومواد غذائيّة. وهي عاصمة المنتجات الزراعيّة الغذائيّة والقطب الزراعي على الصعيدين المحلي والشرق الأوسطي.

تضاربت آراء المؤرخين حول أصل تسميتها: منهم من ردّها إلى “الأرض الزاحلة”، إذ أنّ طبيعة أرضها وبنيتها الجيولوجيّة تختلف عن سواها بزحلها، خصوصاً في الأحياء الغربيّة حيث كانت تحصل سنويّاً زحولات.
منهم من ردّ اسمها إلى “زحلان”، أحد ملوك بني هلال، ويحتمل أن يكون سكن زحلة إثر الفتح العربي للبقاع، في القرن السابع الميلادي فأطلق اسمه على المدينة.
منهم من ردّها إلى كوكب “زحل”، هذا الكوكب الذي عبده الرومان وجعلوه إله الخصب وذلك بعدما اكتشف فيها من آثار رومانيّة ومن نقود وأنفاق. هذه الاحتمالات المختلفة تدلّ على أنّ زحلة مدينة لها تاريخها العريق.
يبلغ عدد مناطق زحلة العقاريّة 16 نطاق عقاري. بعض المناطق العقاريّة تحتوي على أكثر من حي، وبذلك يكون عدد الأحياء أكثر من عدد المناطق العقاريّة (21 حيّاً سكنيّاً). يمكن إحصاء الوحدات السكنيّة لمختلف الأحياء بحوالي 20 ألف وحدة.
والأحياء الـ16 هي: البربـارة، حـوش الأمـراء، حـوش الزراعنـة، حـي السيـدة، الراسيـة التحتـا، الراسيـة الفوقـا، سيـدة النجـاة، الكـرك، مار اليـاس، مار أنطونيـوس، مار مخايـل ومار جرجـس، المعلقـة، المعلقـة الشماليـة، ميـدان الشرقـي، ميـدان الغربـي، وادي العرائـش.
تاريخ زحلة
أول من استعمـر زحلـة الأمـراء اللمعيـون، كـان ذلـك سنـة 1711 على أثـر بلائهـم الحسـن في معركة عين دارة التـي نشبـت بيـن الأميـر حيـدر الشهابـي حاكـم لبنان ورأس الحـزب القيسـي، وبيـن مناوئيـه اليمنييـن. شـد اللمعيـون يومـذاك أزر الاميـر، فمـا أن تـم لـه النصـر حتـى صاهرهـم ثـم أقطعهـم الاقطاعـات الواسعـة.
أعجـب اللمعييـن من زحلـة، خصـب تربتهـا وكثـرة شجرهـا وغزارة مائهـا وجمـال مناخهـا فأولوهـا اهتمامهـم، ونشطـوا يستقدمـون إليهـا السكـان من المتنيْـن الأعلـى والأدنـى، ويشجعـون على حـرث أرضهـا، وبنـاء البيـوت فيهـا، حتـى أهلـت وعمـرت. فقسمـت إلى ثلاثـة أحـواش لثلاثـة أمـراء لمعييـن، حـوش الأميـر مـراد وحـوش الأميـر يوسـف وحـوش الحواطمـة. وكـان الحـوش مجموعـة من البيـوت المتقاربـة، على شكـل مستعمـرة صغيـرة مسـورة.
في مطلـع القـرن الثامـن عشـر كـان لزحلـة علـم خـاص بهـا لونـه أحمـر وأخضـر وفي أعـلاه حربـة في رأسهـا صليـب وقـد صنـع من الحريـر المنسـوج في زحلـة.
ولهـا نشيدهـا الوطنـي المعـروف ويقول مطلعه: زحلـة يا دار السـلام فيـك مربـى الأسـودي على الضيـم والله ما ننـام المـوت ببـوز البـارودي
أحرقت زحلة ثلاث مرّات عام 1777 و 1791، وكانت نكبتها الكبرى عام 1860. وفي العام 1861 بعد قيام المتصرّفيّة، شكّلت زحلة قاعدة البقاع والمديريّة الثالثة بين الست مديريّات. واستطاعت النهوض وإعادة البناء؛ فعادت أقوى، وعمرت أكثر، وأصبحت “ميناء البقاع وسوريا” البرّي ومركز الأغلال والتجارة بين بيروت ودمشق والموصل وبغداد، وسُميت مدينة قبل العاصمة بيروت.
خلال فترة المتصرفية، وبعد عام 1861، أنشئ مجلس زحلة البلدي عام 1878، وبُني السراي الحكومي القديم عام 1885، ونشطت الهجرة منها، وأُنجز خط السكة الحديدية الذي وصل عام 1885 زحلة ببيروت وحوران، ممّا سهّل الأسفار وروج التجارة وحسن الأعمال.
وفي مطلع القرن العشرين، شهدت زحلة نهضة تربويّة وفكريّة وسياحيّة كبيرة. لكنّ الحرب أعاقت تقدّمها، وأبهظت كاهل أبنائها. عام 1914، دخلها جمال باشا التركي، وجعل مقرّه فندق قادري جاعلاً منه مستشفى لجيشه، وصادر مستودعات الغلال والحبوب ونكّل بالأهالي.
في نهاية الحرب، إنتُدبت فرنسا على لبنان تطبيقاً لمعاهدة سايكس – بيكو الشهيرة عام 1916، وأعلن الجنرال غورو من فندق قادري في زحلة في 3 آب 1920 ضمّ الأقضية الأربعة: البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا واعتبارها أساساً للبنان الكبير، الذي أعلنه في بيروت في أول أيلول 1920 وما زالت حدوده حدود لبنان المعترف بها اليوم دولياً.
خلال فترة الانتداب، شهدت المدينة تقدّماً عمرانيّاً وإداريّاً واقتصاديّاً، فنشطت تجارتها وأعمالها. وكذلك برزت أول نقابة عماليّة في زحلة عام 1923 برئاسة رشيد سويد. وكان لبعض رجالات زحلة أمثال شبل دموس وموسى نمور وغيرهم اليد الطولى في وضع الدستور اللبناني عام 1926.
بعد الاستقلال عام 1943، استطاعت زحلة أن تستعيد حيويتها؛ فازدهرت فيها الأعمال حتى عام 1975 بداية الأحداث اللبنانية، حيث شهدت ركوداً كباقي المناطق اللبنانية. لكنّها ما لبثت أن استعادت حركتها وعمرانها، بعيد الحرب.

الجغرافيا
تقـع زحلـة بيـن الدرجتيـن 33 و 35 من خطـوط العـرض. وتعلـو عن سطـح البحـر 950 متـراً مساحتهـا حوالـي 150 هكتـاراً. مدينة زحلة هي مركز قضاء زحلة وعاصمة محافظة البقاع. تبعد 52 كلم (32.3128 مي) عن بيروت عاصمة لبنان.
يحتضـن زحلـة جبـل صنيـن من الشمـال، والكنيسـة من الغـرب وتلفهـا مرتفعـات الفـرزل وباحيـن من الشـرق، وترقـد على قدميهـا جنوبـاً منبسطـات سهـل البقـاع وهـي في وادي ضيـق تكلـل مشارفـه مرتفعـات متوازيـة العلـو نسبيـاً، ويخترقهـا في الوسـط نهـر البردونـي ليشطرهـا إلى شطريـن متوازييـن، على ضفـة ميـل منهمـا، تنتصـب المنتزهـات والفنـادق والحدائـق.
تتكوّن زحلة من هضبة كلسيّة بيضاء، ناتجة عن شدّة انحدارها. مناخ زحلة جاف، وهواؤها ناشف عليل. هي تتمتّع بتعاقب الفصول الأربعة، بشتاءٍ باردٍ وصيف حار.
النباتات
كانت زحلة قديماً كثيرة الغابات المشتبكة والأدغال، وفيها أشجار السنديان السوري والعفص والبطم والسماق والدردار “بمعنى الشائك” والرمان والجوز والدلب وغير ذلك من نباتات المنطقة الجبلية. وفي أعاليها ينبت البقل. وقد أُحرقت هذه الغابات مراراً ولا سيما عندما هاجم الأكراد زحلة في عام 1777 وعام 1793 م. أمّا اليوم، فإنّ معظم أشجارها هي الحور، وتقع على جانبي النهر وفي الأماكن الرطبة إضافة إلى بقايا الزيتون القديم. وهناك أيضاً التوت الذي يكثر في البساتين، فوق مرج عرجموس “الفيضة”. ويكثر أيضاً الزيتون، هو عطري الرائحة يتخذ زهره لمداواة السعال ونحوه. أمّا بالنسبة للفواكه، فهي كثيرة أهمّها العنب، والتين والخوخ والمشمش والرمان والتفاح والإجاص والجوز واللوز.
الحيوانات
كان في زحلة قديماً، أي عندما كانت الغابات تظلّلها والأحراج تشتبك في واديها، حيوانات مختلفة أهمّها السبع والنمر والضبع والفهد والعقاب والنسر والحدأة (الشوحة) والبازي والصقر، إضافةً إلى الذئب وابن آوى والنمس والقنفذ والخرز (الأرنب البري) والغرير. وقد اشتهرت زحلة قديمًا بتربية الخيول وتأصيلها وترويضها.
ويكثر الجاموس والبقر الضخم الجثة في بساتينها وكذلك البغال والجمال والحمير. ويُربّى فيها الغنم والماعز والدواجن. ومن الطيور التي تقتنص في ضواحيها الحجال والسماني والزرزور واليمام “الترغل” والحمام والوروار والقطا ويكثر فيها الدوري والسنونو معشعشاً في الطنوف “السفارات” والصفاريّة أو التبشّر وتسميها العامة “الصفراية” والصفرد “أبو الحن” وغيرها. ويوجد فيها القليل من النحل وأفضله عسلاً ما تربى في أعالي المدينة إلى جهة الجبل وكذلك دود القزّ. ويوجد في غياضها دجاج الأرض (الشكب) والفرّي وبعض الطيور المائية. كالإوز والبط وغيرها مثل الغرغر (ديك الحبش) والدجاج الاهلي والكركي “الرهو” والبجع “العراق” وغير ذلك من الطيور القواطع والأوابد. وفي ضواحيها القبرة والثليجي “سن المنجل” والهدهد ومن الصوادح الحسّون “الجوي” والشويكي البرّي والخضيري وهي تمتاز برخامة أصواتها وألحانها وفيها أفاعي وضباب (حراذين) وسام أيرص (أبو بريص).