قلعة بعلبك عبارة عن مجمع أثريّ كبير يحتوي على أنقاض مدينة رومانيّة قديمة، وتوجد القلعة في منطقة البقاع الواسعة، والمعروفة بوادي البقاع، وترتفع عن الأرض مسافة قدرها 1.130 متر، وتبعد من الجهة الشرقيّة إلى الشمال الشرقي منبيروت مسافة 80 كيلومتر، وتُعرف مدينة بعلبك بمدينة الشمس، وفي عام 1984م تمَّ ضم المنطقة الأثريّة إلى قائمة التراث العالميّ لليونسكو.
وفي عام 9000 سنة قبل الميلاد كانت مكاناً للعبادة، وأصبحت حجر الأساس للحضارات القديمة، وتتمثل آثار بعلبك على هيئة أعجوبة أثرية، إذ تحتوي على آثار شاهقة، وأعمدة مُدهشة، وقد كانت بعلبك مكاناً مُقدساً، ومركزاً للعبادة في بلاد ما بين النهرين، وحتّى عام 150 قبل الميلاد كان الموقع معبداً للقبائل الفينيقيّة وبعل، ثمَّ جُلب المعبد إلى العصر المسيحيّ بفعل تأثير قسطنطين الكبير على الإمبراطوريّة الرومانيّة.
ولكن بعد نقل المعبد إلى الإمبراطوريّة العثمانية بدأ انحدار وتراجع هذه الأطلال، وقد تمَّ التخلي عن هذه الآثار، وتُركت في حالة من الخراب والدمار، فقد شهد الموقع استمرارية تدمير العواصف والقوى الطبيعيّة حتّى عام 1898م، ولكن بعد ذلك قام الإمبراطور الألماني فيلهيلم الثاني بزيارة المكان، وكان الرائد في استعادة بعلبك والمحافظة عليها، وفي الوقت الحاضر تُعتبر بعلبك واحدة من أكثر الكنوز التاريخيّة في لبنان، حيث يزوروها أعداداً كبيرة من سياح العالم.
المعالم الأثرية في قلعة بعلبك
يوجد عدد من المعالم الأثرية في قلعة بعلبك إلى ما يلي: معبد بعل مرقد جوبيتير: يُعرف هذا المعبد بالقلعة، ويقع إلى جانبه معبد دير القلعة (معبد دير مارحنا)، ويُعتبر المعبد من أهم الآثار المُكتشفة في منطقة بيت مري، وتتميز حجارتها بالضخامة التي تجعل منها شبيهة بأعمدة وحجارة قلعة بعلبك. معبد باخوس: وهو معبد أصغر حجماً من معبد جوبيتير، ويعود تاريخ بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي، ولعل أهم ما يُميز هذا المعبد قدرته في الحفاظ على معالمه رغم مرور الزمن، حيث يتألف من بوابة عملاقة، ويصل ارتفاعها إلى 13 متر، وعرضها حوالي 6 متر، ويقع على منصة ذات ارتفاع 5 متر. معبد فينوس: يقع خارج القلعة، وداخل الحرم القدسي، وكانت زخرفته على شكل صفين من الأعمدة.
وللأهمية التاريخية والثقافية لأثار وهياكل بعلبك، قامت المديرية العامة للآثار في لبنان، بالتعاون مع المعهد الألماني للآثار وشركة فلاي أوفر زون (Flyover Zone, the visual tourism Company) الأميركية المتخصصة في تصميم الجولات الافتراضية، بإطلاق تطبيق «إعادة إحياء بعلبك: المعابد». والتطبيق يعتبر هوالأول من نوعه ضمن سلسلة تطبيقات ستقدم جولات افتراضية ثلاثية الأبعاد في المواقع الأثرية بمدينة بعلبك، وذلك في إطار مشروعٍ لإعادة إحياء المدينة.
يعيد كثيرون الفضل في تعميم عظمة هياكل بعلبك في أوروبا إلى المعماري الإيرلندي روبرت وود (1717 – 1771)، وزميله جايمس داوكينز (1722 – 1757)، إثر زيارتهما إليها بعدما زارا تدمر (بالميرا)، سنة 1751، وصدر كتابهما “أطلال بعلبك أو هليوبوليس في سوريا المجوفة” في لندن سنة 1757.
يقول وود: “إن أطلال بعلبك، إذا ما قارنّاها بالمدن الأثرية التي زرناها في إيطاليا واليونان ومصر وبلدان آسيوية أخرى، تبدو المشروع المعماري المنفذ الأكثر جرأة حتى اليوم”.
وقد جال هذا الكتاب في المدن الأوروبية ودفع بالكثير من المغامرين إلى زيارة القلعة، لا سيما وأن المهندسين زودا كتابيهما برسوم معمارية بديعة منها رسم لقلعة بعلبك ذات الأعمدة التسعة. نعم، كانت تسعة يوم زاراها، واستمرت تسعة لمئات من السنين، إلا أنه وبعد صدور هذا الكتاب بعامين، فجر 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1759، اجتاح زلزال مدمّر سهل البقاع، فأطاح ثلاثة من أعمدة القلعة. وقد أفرد عيسى إسكندر المعلوف لهذا الزلزال المدمر الذي أزهق عدداً كبيراً من الأرواح وهدم البنيان من بعلبك إلى دمشق، صفحات من كتابه الفريد “تاريخ البقاع وسوريا المجوفة” (بيروت: دار الفارابي، 2018)، الذي صدر بتحقيق من زهير هواري وإبراهيم مهدي، وبتقديم من فواز طرابلسي. ويعتقد باحثون أن قوة الزلزال زادت عن سبع درجات على مقياس ريختر، كي يحدث خراباً هائلاً يطيح الهياكل والأعمدة.
حتى زماننا الحاضر، تستمر الخلافات حول طريقة بناء صروح بعلبك، وهي أضخم مجمّع تاريخي في منطقة البحر المتوسط. هناك فرضيات مختلفة تتعلق بكيفية بناء هذه الهياكل الفريدة، من أبسط الأفكار إلى أكثر الأجهزة الهندسية تعقيداً.
رغم تعرض بعلبك لقرون طويلة للتخريب، سواء علي يد الأباطرة، أو لأسباب طبيعية كالزلازل، إلا إنها ظلت تستوقف الرحالة، وتجذب الأثريون، وتغذي بأطلالها الأساطير، وتثير إعجاب كل زائر، فعندما زارها الإمبراطور الألماني “غليوم الثاني”، وشاهد الأضرار التي أصابت هياكلها الرومانية، أرسل وفد من العلماء ليقوموا بعمليات الترميم والحفائر، وذلك خلال عامي 1900 و1904، كشف خلالها الأثريون عن الأجزاء الرئيسية للمعابد الثلاثة، وفي عام 1930، تابع وفد أثري فرنسي أعمال الحفر في معبد جوبيتير، ثم أستلم الأثريون اللبنانيون مهام التنقيب والدراسات الحفرية بالاشتراك مع البعثات الألمانية منذ عام 1943، حتى بدأت الحرب اللبنانية عام 1975.
سبب التسمية
سميت المدينة من قبل الكنعانيين الفينيقيين قبل آلاف السنين. تسمية المدينة قديمة إذ ذكرت في التوراة بإسم “بعلبق”. وقد ذكر أنيس فريحة في كتابه “أسماء المدن والقرى اللبنانية” أن اسم المدينة هو سامي ومصدره كلمتي “بعل” وتعني “مالك” أو “سيد” أو “رب”؛ و كلمة “بق” وتعني البقاع رافضا أن يكون اسم إله كما يدعي البعض لعدم وجوده في اللغات السامية، فيكون معناها “إله وادي البقاع”. وهناك من عرب اسمها إلى “مدينة الإله بعل”. وأطلق على المدينة أيام الرومان بالـ”هيليوبولس” (أي مدينة الشمس) عند الرومان، وتحديدا بإسم “مستعمرة جوليا أغوسطا مدينة الشمس”. كما سماها الأمويون بالقلعة.
صادر الدراسة لتاريخ بعلبك في العهد الروماني ننهلها من كتب المؤرخين الرومان واليهود ـ مثال سترابو (Strabo) – (58 ق. م -21 أو 25 ب.م) و يوسيفوس (Josephus) اليهودي الذي وضع تاريخه حوالي سنة 70 م. وهناك الكتابات والنقوش التي ما زالت، ماثلة إلى اليوم على قواعد الأعمدة، وحجارة المعابد في هياكل بعلبك والقسم الثالث ولعله الأهم – لأنه أوضح غوامض المصدرين السابقين – هو النميَّات (المسكوكات) التي ضربت في بعلبك وحملت صور الأباطرة وأسماءهم ونقوش الهياكل البعلبكية.
تقع بعلبك على مفترق عدد من طرق القوافل القديمة التي كانت تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي وشمال سورية بفلسطين. وقد استفادت عبر تاريخها الطويل من هذا الموقع المميز لتصبح محطة تجارية هامة ومحجاً دينياً مرموقاً. نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي وأهميّتها الزراعية، أصبحت في عام 47 ق.م. مستعمرة رومانية بأمر من يوليوس قيصر والموقع المختار لبناء أكبر الهياكل الرومانية كمعبد باخوس التي عكست ثروة وقوة الإمبراطورية الرومانية. وقد استمرت عمليات البناء أكثر من مئتي عام وأشرف عليها اباطرة رومانيون مختلفون. ومن أجل الوصول إلى هذه الهياكل، لا بد للزائر ان يمر أولا بالاروقة الرومانية الضخمة وبساحتين تحيط بهما الأعمدة المهيبة.
في نهاية القرن الثالث كانت الإمبراطورية الرومانية على حافة الانهيار وتلاشي السلام الذي وفر الازدهار في القرون السابقة. و اشتعلت الفتن الداخلية وكثر الطامعون بالعرش مما حمل بعض فرق الجيش على تنصيب قنسطنطين (306-Constantin” (337″ امبراطوراً، وفي سنة 330م بعد أن نجح في توحيد الإمبراطورية تحت إمرته، نقل عاصمته من روما إلى بيزنطة التي أعاد بناؤها ومنحها إسمه، وفي عاصمته الجديدة منع بناء المعابد الوثنية، ثم أصدر أمراً بإغلاق المعبد الكبير في هليوبوليس (بعلبك). كتب المؤرخ البيزنطي سقراط سكولا ستيكوس